فصل: تفسير الآية رقم (42):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (42):

{ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ (42)}
{اركض بِرِجْلِكَ} إما حكاية لماق يل له أو مقول لقول مقدر معطوف على {نادى} [ص: 41] أي فقلنا له أركض برجلك أي اضرب بها وكذا قوله تعالى: {هذا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} فإنه أيضًا إما حكاية لما قيل له بعد امتثاله بالأمر ونبوع الماء أو مقول لقول مقدر معطوف على مقدر ينساق إليه الكلام كأنه قيل: فضربها فنبعت عين فقلنا له هذا مغتسل تغتسل به وتشرب منه فيبرأ ظاهرك وباطنك، فالمغتسل اسم مفعول على الحذف والإيصال وكذا الشراب، وعن مقاتل أن المغتسل اسم مكان أي هذا مكان تغتسل فيه وليس بشيء، وظاهر الآية اتحاد المخبر عنه غتسل وشراب، وقيل: إنه عليه السلام ضرب برجله اليمنى فنبعت عين حارة فاغتسل منها وبرجله اليسرى فنبعت باردة فشرب منها، وقال الحسن: ركض برجله فنبعت عين فاغتسل منها ثم مشى نحوًا من أربعين ذراعًا ثم ركض برجله فنبعت أخرى فشرب منها، ولعله عنى بالأولى عينًا حارة، وظاهر النظم عدم التعدد. و{بَارِدٌ} على ذلك صفة {شَرَابٌ} مع أنه مقدم عليه صفة {مُغْتَسَلٌ} وكون هذا إشارة إلى جنس النابع أو يقدر وهذا بارد إلخ تكلف لا يخرج ذلك عن الضعف، وقيل أمر بالركض بالرجل ليتناثر عنه كل داء بجسده.
وكان ذلك على ما روي عن قتادة. والحسن. ومقاتل بأرض الجابية من الشام، وفي الكلام حذف أيضًا أي فاغتسل وشرب فكشفنا بذلك ما به من ضر.

.تفسير الآية رقم (43):

{وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (43)}
{وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ} بإحيائهم بعد هلاكهم على ما روي عن الحسن.
وروى الطبرسي عن أبي عبد الله رضي الله تعالى عنه أن الله تعالى أحيا له أهله الذين كانوا ماتوا قبل البلية وأهله الذين ماتوا وهو في البلية، وفي البحر الجمهور على أنه تعالى أحيا له من مات من أهله وعافى المرضى وجمع عليه من تشتت منهم، وقيل وإليه أميل وهبه من كان حيًا منهم وعافاه من الأسقام وأرغد لهم العيش فتناسلوا حتى بلغ عددهم عدد من مضى {وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ} فكان له ضعف ما كان، والظاهر أن هذه الهبة كانت في الدنيا، وزعم بعض أن هذا وعد وتكون تلك الهبة في الآخرة {رَحْمَةً مّنَّا} أي لرحمة عظيمة عليه من قبلنا.
{وذكرى لاِوْلِى الالباب} وتذكيرًا لهم بذلك ليصيروا على الشدائد كما صبر ويلجؤا إلى الله تعالى فيما يصيبهم كما لجأ ليفعل سبحانه بهم ما فعل به من حسن العاقبة. روي عن قتادة أنه عليه السلام ابتلي سبع سنين وأشهرًا وألقي على كناسة بني إسرائيل تختلف الدواب في جسده فصبر ففرج الله تعالى عنه وأعظم له الأجر وأحسن، وعن ابن عباس أنه صار ما بين قدميه إلى قرنه قرحة واحدة وألقى على الرماد حتى بدا حجاب قلبه فكانت امرأته تسعى إليه فقالت له يومًا: أما ترى يا أيوب قد نزل بي والله من الجهد والفاقة ما إن بعت قروني برغيف فأطعمتك فادع الله تعالى أن يشفيك ويريحك فقال: ويحك كنا في النعيم سبعين عامًا فاصبري حتى نكون في الضر سبعين عامًا فكان في البلاء سبع سنين ودعا فجاء جبريل عليه السلام فأخذ بيده ثم قال: قم فقام عن مكانه وقال: {اركض بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} [ص: 42] فاغتسل وشرب فبرأ وألبسه الله تعالى حلة من الجنة فتنحى فجلس في ناحية وجاءت امرأته فلم تعرفه فقالت: يا عبد الله أين المبتلى الذي كان هاهنا؟ لعل الكلاب ذهبت به أو الذئاب وجعلت تكلمه ساعة فقال: ويحك أنا أيوب قد رد الله تعالى على جسدي ورد الله تعالى عليه ماله وولده ومثلهم معهم وأمطر عليه جرادًا من ذهب فجعل يأخذ الجراد بيده ويجعله في ثوبه وينشر كساءه فيجعل فيه فأوحى الله تعالى إليه يا أيوب أما شبعت؟ قال: يا رب من الذي يشبع من فضلك ورحمتك، وفي البحر روى أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أن أيوب بقي في محنته ثماني عشرة سنة يتساقط لحمه حتى مله العالم ولم يصبر عليه إلا امرأته» وعظم بلائه عليه السلام مما شاع وذاع ولم يختلف فيه اثنان لكن في بلوغ أمره إلى أن ألقي على كناسة ونحو ذلك فيه خلاف قال الطبرسي: قال أهل التحقيق إنه لا يجوز أن يكون بصفة يستقذره الناس عليها لأن في ذلك تنفيرًا فأما الفقر والمرض وذهاب الأهل فيجوز أن يمتحنه الله تعالى بذلك.
وفي هداية المريد للقاني أنه يجوز على الأنبياء عليهم السلام كل عرض بشري ليس محرمًا ولا مكروهًا ولا مباحًا مزريًا ولا مزمنًا ولا مما تعافه الأنفس ولا مما يؤدي إلى النفرة ثم قال بعد ورقتين، واحترزنا بقولنا ولا مزمنًا ولا مما تعافه الأنفس عما كان كذلك كالإقعاد والبرص والجذام والعمى والجنون، وأما الإغماء فقال النووي لا شك في جوازه عليهم لأنه مرض بخلاف الجنون فإنه نقص، وقيد أبو حامد الإغماء بغير الطويل وجزم به البلقيني، قال السبكي: وليس كإغماء غيرهم لأنه إنما يستر حواسهم الظاهرة دون قلوبهم لأنها معصومة من النوم الأخف، قال: ويمتنع عليهم الجنون وإن قل لأنه نقص ويلحق به العمى ولم يعم نبي قط، وما ذكر عن شعيب من كونه كان ضريرًا لم يثبت، وأما يعقوب فحصلت له غشاوة وزالت اه.
وفرق بعضهم في عروض ذلك بين أن يكون بعد التبليغ وحصول الغرض من النبوة فيجوز وبين أن يكون قبل فلا يجوز، ولعلك تختار القول بحفظهم مما تعافه النفوس ويؤدي إلى الاستقذار والنفرة مطلقًا وحينئذٍ فلابد من القول بأن ما ابتلي به أيوب عليه السلام لم يصل إلى حد الاستقذار والنفرة كما يشعر به ما روي عن قتادة ونقله القصاص في كتبهم، وذكر بعضهم أن داءه كان الجدري ولا أعتقد صحة ذلك والله تعالى أعلم. وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (44):

{وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (44)}
{وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا} عطف على {اركض} أو على {وَهَبْنَا} [ص: 43] بتقدير قلنا خذ بيدك إلخ. والأول أقرب لفظًا وهذا أنسب معنى فإن الحاجة إلى هذا الأمر لا تمس إلا بعد الصحة واعتدال الوقت فإن امرأته رحمة بنت إفرائيم أو مشيا بن يوسف أوليًا بنت يعقوب أو ما خير بنت ميشا بن يوسف على اختلاف الروايات.
ولا يخفى لطف {رَحْمَةً مّنَّا} على الرواية الأولى ذهبت لحاجة فأبطأت أو بلغت أيوب عن الشيطان أن يقول كلمة محذورة فيبرأ وأشارت عليه بذلك فقالت له إلى متى هذا البلاء كلمة واحدة ثم استغفر ربك فيغفر لك أو جاءته بزيادة على ما كانت تأتي به من الخبز فظن أنها ارتكبت في ذلك محرمًا فحلف ليضربنها إن برئ مائة ضربة فأمره الله تعالى بأخذ الضغث وهو الحزمة الصغيرة من حشيش أو ريحان أو قضبان، وقيل: القبضة الكبيرة من القضبان، ومنه ضغث على إبالة والإبالة الحزمة من الحطب والضغث القبضة من الحطب أيضًا عليها، ومنه قول الشاعر:
وأسفل مني نهدة قد ربطتها ** وألقيت ضغثًا من خلى متطيب

وقال ابن عباس هنا: الضغث عثكال النخل، وقال مجاهد: الأثل وهو نبت له شوك، وقال الضحاك: حزمة من الحشيش مختلفة، وقال الأخفش: الشجر الرطب، وعن سعيد بن المسيب أنه عليه السلام لما أمر أخذ ضغثًا من ثمام فيه مائة عود، وقال قتادة: هو عود فيه تسعة وتسعون عودًا والأصل تمام المائة فإن كان هذا معتبرًا في مفهوم الضغث ولا أظن فذاك وإلا فالكلام على إرادة المائة فكأنه قيل: خذ بيدك ضغثًا فيه مائة عود {فاضرب بّهِ} أي بذلك الضغث {وَلاَ تَحْنَثْ} بيمينك فإن البر يتحقق به ولقد شرع الله تعالى ذلك رحمة عليه وعليها لحسن خدمتها إياه ورضاه عنها وهي رخصة باقية في الحدود في شريعتنا وفي غيرها أيضًا لكن غير الحدود يعلم منها بالطريق الأولى فقد أخرج عبد الرزاق. وسعيد بن منصور. وابن جرير. وابن المنذر عن أبي إمامة بن سهل بن حنيف قال: حملت وليدة في بني ساعدة من زنا فقيل لها: ممن حملك؟ قالت: من فلان المقعد فسئل المقعد فقال: صدقت فرفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: خذوا عثكولا فيه مائة شمراخ فاضربوه به ضربة واحدة ففعلوا، وأخرج عبد الرزاق. وعبد بن حميد عن محمد بن عبد الرحمن عن ثوبان أن رجلًا أصاب فاحشة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مريض على شفا موت فأخبر أهله بما صنع فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقنو فيه مائة شمراخ فضرب به ضربة واحدة، وأخرج الطبراني عن سهل بن سعد أن النبي عليه الصلاة والسلام أتى بشيخ قد ظهرت عروقه قد زنى بامرأة فضربه بضغث فيه مائة شمراخ ضربة واحدة، ولا دلالة في هذه الأخبار على عموم الحكم من يطيق الجلد المتعارف لكن القائل ببقاء حكم الآية قائل بالعموم لكن شرطوا في ذلك أن يصيب المضروب كل واحدة من المائة إما بأطرافها قائمة أو بأعراضها مبسوطة على هيئة الضرب.
وقال الخفاجي: إنهم شرطوا فيه الايلام أما مع عدمه بالكلية فلا فلو ضرب بسوط واحد له شعبتان خمسين مرة من حلف على ضربه مائة بر إذا تألم فإن لم يتألم لا يبر ولو ضربه مائة لأن الضرب وضع لفعل مئلم بالبدن بآلة التأديب، وقيل: يحنث بكل حال كما فصل في شروح الهداية وغيرها انتهى.
وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس لا يجوز ذلك لأحد بعد أيوب إلا الأنبياء عليهم السلام، وفي أحكام القرآن العظيم للجلال السيوطي عن مجاهد قال: كانت هذه لأيوب خاصة، وقال الكيا: ذهب الشافعي. وأبو حنيفة. وزفر إلى أن من فعل ذلك فقد بر في يمينه، وخالف مالك ورآه خاصًا بأيوب عليه السلام، وقال بعضهم: إن الحكم كان عامًا ثم نسخ والصحيح بقاء الحكم، واستدل بالآية على أن للزوج ضرب زوجته وأن يحلف ولا يستثنى وعلى أن الاستثناء شرطه الاتصال إذ لو لم يشترط لأمره سبحانه وتعالى بالاستثناء ولم يحتج إلى الضرب بالضغث.
واستدل عطاء بها على مسألة أخرى فأخرج سعيد بن منصور بسند صحيح عنه أن رجلًا قال له: إني حلفت أن لا أكسو امرأتي درعًا حتى تقف بعرفة فقال: احملها على حمار ثم اذهب فقف بها بعرفة فقال: إنما عنيت يوم عرفة فقال عطاء: أيوب حين حلف ليجلدن امرأته مائة جلدة أنوي أن يضربها بالضغث إنما أمره الله تعالى أن يأخذ ضغثا فيضربها به ثم قال: إنما القرآن عبر إنما القرآن عبر، وللبحث في ذلك مجال، وكثير من الناس استدل بها على جواز الحيل وجعلها أصلًا لصحته، وعندي أن كل حيلة أوجبت إبطال حكمة شرعية لا تقبل كحيلة سقوط الزكاة وحيلة سقوط الاستبراء وهذا كالتوسط في المسألة فإن من العلماء من يجوز الحيلة مطلقًا ومنهم من لا يجوزها مطلقًا، وقد أطال الكلام في ذلك العلامة ابن تيمية {إِنَّا وجدناه صَابِرًا} فيما أصابه في النفس والأهل والمال.
وقد كان عليه السلام يقول كلما أصابته مصيبة: اللهم أنت أخذت وأنت أعطيت ويحمد الله عز وجل، ولا يخل بذلك شكواه إلى الله تعالى من الشيطان لأن الصبر عدم الجزع ولا جزع فيما ذكر كتمني العافية وطلب الشفاء مع أنه قال ذلك على ما قيل خيفة الفتنة في الدين كما سمعت فيما تقدم، ويروى أنه قال في مناجاته: الهي قد علمت أنه لم يخالف لساني قلبي ولم يتبع قلبي بصري ولم يلهني ما ملكت يميني ولم آكل إلا ومعي يتيم ولم أبت شبعان ولا كاسيًا ومعي جائع أو عريان فكشف الله تعالى عنه {نِعْمَ العبد} أي أيوب {إِنَّهُ أَوَّابٌ} تعليل لمدحه وتقدم مهنى الأواب.

.تفسير الآية رقم (45):

{وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45)}
{واذكر عِبَادَنَا إبراهيم وإسحاق وَيَعْقُوبَ} الثلاثة عطف بيان لعبادنا أو بدل منه.
وقيل: نصب باضمار أعني، وقرأ ابن عباس. وابن كثير. وأهل مكة {عَبْدَنَا} بالإفراد فإبراهيم وحده بدل أو عطف بيان أو مفعول أعني، وخص بعنوان العبودية لميزد شرفه، وما بعده عطف على {عَبْدَنَا} وجوز أن يكون المراد بعبدنا عبادنا وضعًا للجنس موضع الجمع فتتحد القراءتان {أُوْلِى الايدى والابصار} أولى القوة في الطاعة والبصيرة في الدين على أن الأيدي مجاز مرسل عن القوة، والأبصار جمع بصر عنى بصيرة وهو مجاز أيضًا لكنه مشهور فيه أو أولي الأعمال الجليلة والعلوم الشريفة على أن ذكر الأيدي من ذكر السبب وإرادة المسبب، والأبصار عنى البصائر مجاز عما يتفرع عليها من العلوم كالأول أيضًا، وفي ذلك على الوجهين تعريض بالجهلة الباطلين أنهم كفاقدى الأيدي والأبصار وتوبيخ على تركهم المجاهدة والتأمل مع تمكنهم منهما، وقيل: الأيدي النعم أي أولى التي اسداها الله تعالى إليهم من النبوة والمكانة أو أولى النعم والإحسانات على الناس بإرشادهم وتعليمهم إياهم، وفيه ما فيه. وقرئ {الأيادي} على جمع الجمع كأوطف وأواطف، وقرأ عبد الله. والحسن. وعيسى. والأعمش {ذَا الايد} بغير ياء فقيل يراد الأيدي بالياء وحذفت اجتزاء بالكسرة عنها، ولما كانت أل تعاقب التنوين حذفت الياء معها كما حذفت مع التنوين حكاه أبو حيان ثم قال: وهذا تخريج لا يسوغ لأن حذف هذه الياء مع وجود أل ذكره سيبويه في الضرائر، وقيل: الأيد القوة في طاعة الله تعالى نظر ما تقدم. وقال الزمخشري بعد تعليل الحذف بالاكتفاء بالكسرة وتفسيره بالأيد من التأييد قلق غير متمكن وعلل بأن فيه فوات المقابلة وفوات النكتة البيانية فلا تغفل.